فصل: غلط البصر من أجل خروج وضع المبصر عن عرض الاعتدال:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المناظر (نسخة منقحة)



.الشفيف:

وقد يعرض الغلط في الشفيف أيضاً على وجه من الوجوه من أجل خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال. وذلك أن الناظر إذا قرب إلى إحدى عينيه جسماً كثيفاً دقيق الحجم كالخلالة أو الإبرة أو ما جرى مجرى ذلك وستر العين الأخرى، وكان قبالته جسم مسرف اللون كالحائط الأبيض أو غيره من الأجسام البيض، وكان بعد الحائط من البصر بعداً مقتدراً وليس بالمتفاوت، فإن البصر يدرك المقدار الذي يدركه البصر من الجسم المسفر اللون المقابل للبصر جزءاً عرضه العرض الذي يظهر لذلك الجسم الكثيف الدقيق الحجم. ومع ذلك فإن البصر يدرك الجزء المستتر من الجسم المسفر اللون المقابل له كما يدرك الأجسام من وراء الجسم المشف، ويدرك ذلك الجسم الدقيق الحجم إذا كان شديد القرب من البصر كأنه مشف لأنه يدرك ما وراءه وأحس بأن الذي يدركه من ورائه هو غيره فهو يدرك ذلك الجسم مشفاً. وإذا كان ذلك الجسم كثيفاً وأدركه البصر مشفاً فهو غالط فيما يدركه من شفيفه، والغلط في الشفيف هو غلط في القياس لأن الشفيف ليس يدرك إلا بالقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال بالإفراط في القرب، لأن المبصر الدقيق الحجم إذا كان على بعد معتدل فإن البصر يدركه كثيفاً ولا يدرك ما وراءه إذا كانت المعاني التي في ذلك المبصر في عرض الاعتدال.
فأما لم إذا قرب الجسم الكثيف الدقيق الحجم من البصر قرباً شديداً أدركه البصر مشفاً فإن ذلك لعلة تتبين من بعد هذا القول، ونحن نبين هذا المعنى بياناً واضحاً في الموضع اللائق به. فأما عظم عرضه الذي يظهر للبصر عند قربه من البصر فإن للعلة التي ذكرناها عند كلامنا في العظم، أعني العلة في المبصر إذا قرب من البصر قرباً شديداً أدركه البصر أعظم مما هو.
الكثافة وقد يعرض الغلط في الكثافة أيضاً من أجل تفاوت البعد. وذلك أن الجسم المشف الذي شفيفه يسير إذا كان لون قوي، وكان وراءه جسم متلون أو موضع مظلم، فإن البصر إذا أدركه من بعد متفاوت فإنه يدركه كثيفاً ولا يدرك شفيفه، إذا لم يتقدم علم الناظر بشفيف ذلك المبصر. وذلك أن البصر إذا أدرك المبصر المشف من البعد المتفاوت، وكان المشف ذا لون قوي، فإن البصر يدرك لونه. فإن كان وراءه جسم متلون أو مكان مظلم، وكان ذلك اللون أو تلك الظلمة تظهر من وراء الجسم المشف، فإنه يظهر ممتزجاً بلون الجسم المشف، ولا يتميز للبصر من البعد المتفاوت لون الجسم المشف من اللون الذي يظهر من ورائه. فإذا كان الجسم المشف ذا لون قوي، وكان وراءه جسم متلون أو مكان مظلم، وكان البصر يدرك ذلك المبصر من بعد متفاوت، فليس يتميز للبصر شفيفه، وإذا لم يتميز للبصر شفيفه أدركه كثيفاً.
وإذا أدرك البصر المبصر المشف كثيفاً فهو غالط في كثافته، وهذا الغلط هو غلط في القياس لن الكثافة إنما تدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط إنما هو خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال، لأن المبصر المشف إذا كان على بعد معتدل فإن البصر يدرك شفيفه إذا كانت المعاني الباقية التي فيه في عرض الاعتدال.
الظل وقد يعرض الغلط في الظل أيضاً من أجل خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال. وذلك أن المبصر النقي البياض الفسيح الأقطار كالجدران البيض والمواضع من الأرض النقية البياض، إذا كان في تضاعيفها موضع أو مواضع ترابية اللون أو منكسفة اللون، وأشرق على المبصر الذي بهذه الصفة ضوء الشمس أو ضوء القمر أو ضوء النار، وأدركه البصر من بعد متفاوت، ولم يتقدم علم الناظر بذلك المبصر، فإن البصر يدرك الضوء الذي على المواضع البيض من ذلك المبصر ضوءاً مشرقاً ولا يشك فيه ويدرك الضوء على الأجزاء الترابية والمنكسفة الألوان منكسراً.
وإذا أدرك البصر الضوء في بعض المواضع من الجدران ومن سطح الأرض منكسراً، فإنه ربما ظنه من أجل انكساره ظلاً، وأن الضوء الذي في سطح ذلك الجدار أو في ذلك الموضع من الأرض ليس بمتشابه، وخاصة إذا كان المبصر الذي بهذه الصفة فيما بين جدران وأشخاص يحتمل أن تكون تلك المواضع المنكسفة والترابية أظلالاً لها. وإذا أدرك المواضع المضيئة التي لا ظل عليها مستظلة فهو غالط فيما يدركه من استظلالها. وهذا الغلط هو غلط في القياس لأن الظل يدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال، لأن المبصر الذي بهذه الصفة إذا كان على بعد معتدل فإن البصر يدرك ألوانه على ما هي عليه ويدرك الضوء الذي فيه على ما هو عليه إذا كانت المعاني الباقية التي فيه في عرض الاعتدال.
وقد يعرض الغلط في الظلمة أيضاً من أجل تفاوت البعد. وذلك أن المبصر إذا أدرك جداراً أبيض نقي البياض من بعد متفاوت، وكان في ذلك الجدار جسم أسود كالمرايا التي تكون في الحيطان وكالأبواب التي تتخذ من الأخشاب السود، ولم يتقدم علم الناظر بذلك الجدار وبتلك الجسام السود، فإن البصر ربما ظن بتلك الأجسام السود أنها كوى ومنافذ تفضي إلى مواضع مظلمة وأن ذلك السواد إنما هو مظلمة.
وإذا أدرك البصر الجسم الأسود ظلمة فهو غالط فيما يدركه من الظلمة، وهذا الغلط هو غلط في القياس لأن الظلمة إنما تدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال، لأن المبصر الذي بهذه الصفة إذا أدركه البصر من بعد معتدل فإنه يدركه على ما هو عليه ويدرك الأجسام السود أجساماً ولا يعرض له الغلط في مائيتها إذا كانت المعاني الباقية في تلك المبصرات في عرض الاعتدال.
الحسن وقد يعرض الغلط في الحسن أيضاً من أجل خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال. وذلك أن المبصر الحسن الصورة إذا كانت فيه وشوم أو غضون أو مسام أو آثار أو خشونة أو معان لطيفة تشين حسنه وتكسف صورته، فإنه إذا بعد عن البصر بعداً تخفى منه تلك الوشوم وتلك المعاني اللطيفة ولا يكون بعداً مسرفاً فإن صورته تظهر من ذلك البعد مستحسنة. والبعد الذي تخفى منه المعاني اللطيفة التي تكون في المبصر هو خارج عن الاعتدال بالقياس إلى ذلك المبصر، لأن البعد المعتدل بالقياس إلى المبصر هو البعد الذي يظهر منه جميع المعاني التي في ذلك المبصر ويدرك منه المبصر على ما هو عليه.
وإذا أدرك البصر المبصر الذي ليس بحسن حسناً، وأدرك صورته خالية من المعاني التي تشينه وتكسف حسنه، ولم يشك في حسنه مع خفاء المعاني اللطيفة التي فيه، فهو غالط فيما يدركه من حسنه. وهذا الغلط هو غلط في القياس، لأن الحسن يدرك بالقياس، ولأن هذا الغلط إنما هو لتعويل البصر على المعاني الظاهرة فقط وسكونه إلى نتائجها. وعلة هذا الغلط هو خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال، لأن المبصر الذي بهذه الصفة إذا كان على بعد معتدل بالقياس إلى ذلك المبصر فإن البصر يدرك صورته غير مستحسنة، إذا كانت المعاني الباقية التي في ذلك المبصر في عرض الاعتدال.
القبح وقد يعرض الغلط في القبح من أجل خروج بعد المبصر إذا كان ذا لون غير مستحسن أو شكل غير مستحسن أو هيئة غير مستحسنة، أو مجموع ذلك، وكانت فيه نقوش وتخاطيط وأجزاء صغار ومعان لطيفة، وكانت تلك التخاطيط وتلك المعاني الطيفة مستحسنة، وكان ذلك المبصر مستحسناً من أجل تلك المعاني التي فيه، فإن ذلك المبصر إذا أدركه البصر من بعد خارج عن الاعتدال ولم تظهر تلك المعاني التي فيه التي منها يظهر حسنه فإن البصر يدرك ذلك المبصر قبيحاً غير مستحسن، وربما لم يشك في قبحه، إذا لم يتقدم العلم بما في ذلك المبصر من المحاسن.
وإذا أدرك البصر المبصر المستحسن قبيحاً من غير أن يستقرئ جميع المعاني التي فيه ولم يشك مع ذلك في قبحه فهو غالط فيما يدركه من قبحه. وهذا الغلط هو غلط في القياس لأن القبح يدرك بالقياس ولأن هذا الغلط هو من تعويل البصر على المعاني الظاهرة وسكونه إلى نتائجها مع خفاء المعاني اللطيفة التي في ذلك المبصر. وعلة هذا الغلط هو خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال، لأن المبصر الذي بهذه الصفة إذا أدركه البصر من بعد معتدل بالقياس إلى ذلك المبصر فإنه يدرك المعاني اللطيفة التي تكون فيه إذا كانت المعاني الباقية التي فيه في عرض الاعتدال. وإذا أدرك البصر المعاني اللطيفة التي تكون فيه التي بها تحسن صورته فإنه يدركه مستحسناً.
التشابه وقد يعرض الغلط في التشابه أيضاً من أجل خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال على الوجه الذي تقدم. وذلك أن المبصرين إذا كانت فيهما معان لطيفة مختلفة، أو كانت فيهما أجزاء صغار مختلفة في الشكل أو في الوضع أو في المقدار أو في مجموع ذلك، وكان المبصران مع ذلك متشابهين في اللون أو في جملة الشكل أو في العظم أ وفي مجموع ذلك، فإن البصر إذا أدرك المبصرين اللذين على هذه الصفة من بعد تخفى منه المعاني اللطيفة التي يختلفان فيها، وربما لم يشك في تشابههما ولم يحكم لهما بشيء من الاختلاف. والبعد الذي تخفى منه المعاني اللطيفة التي تكون في المبصر هو بعد خارج عن الاعتدال بالقياس إلى ذلك المبصر.
وإذا أدرك البصر المبصرين المختلفين بوجه من الوجوه متشابهين على الطلاق ولم يشك في تشابههما فهو غالط في تشابههما. وهذا الغلط هو غلط في القياس لأن التشابه ليس يدرك بالقياس ولأن هذا الغلط إنما هو لتعويل البصر على المعاني الظاهرة وسكونه إلى نتائجها. وعلة هذا الغلط هو خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال لن المبصرات التي بهذه الصفة إذا كانت على أبعاد معتدلة بالقياس إلى المبصرات فإن البصر يدرك صورها على ما هي عليه، ويدرك الاختلاف الذي فيها ولا يعرض له الغلط في تشابهها واختلافها، إذا كانت المعاني الباقية التي في تلك المبصرات في عرض الاعتدال.
الاختلاف وقد يعرض الغلط في الاختلاف أيضاً من أجل خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال. وذلك أن المبصرين إذا كانا متشابهين في معان لطيفة تكون فيهما، وكانا مختلفين في لونيهما أو شكليهما أو عظميهما أو في المعاني الظاهرة التي تكون فيهما، فإن ذينك المبصرين إذا أدركهما البصر من بعد تخفى منه المعاني اللطيفة التي فيهما التي يتشابهان فيها ويظهر منه المعاني الظاهرة التي فيهما، فإن البصر يدرك ذينك المبصرين مختلفين ولا يحكم لهما بشيء من التشابه. وربما قطع باختلافهما ولم يشك في ذلك إذا لم يدرك المعاني التي يتشابهان فيها في حال إدراكهما وأدرك في الحال المعاني التي يختلفان فيها، والبعد الذي تخفى منه المعاني اللطيفة التي تكون في المبصر التي بها يدرك حقيقة صورة المبصر هو بعد خارج عن الاعتدال بالقياس إلى ذلك المبصر.
وإذا أدرك البصر المبصرين المتشابهين بوجه من الوجوه مختلفين على الإطلاق، ولم يحس بشيء من تشابههما، ولم يشك في اختلافهما، فهو غالط فيما يدركه من اختلافهما. والغلط في الاختلاف هو غلط في القياس لن الاختلاف ليس يدرك إلا بالقياس ولأن هذا الغلط إنما هو لتعويل البصر على المعاني الظاهرة فقط وسكونه إلى نتائجها. وعلة هذا الغلط هو خروج بعد المبصر عن عرض الاعتدال، لأن المبصرات التي بهذه الصفة إذا أدركها البصر من أبعاد معتدلة فإنه يدرك تشابهها ويدرك صورها على ما هي عليه ولا يعرض له الغلط في تشابهها واختلافها إذا كانت المعاني الباقية التي في تلك المبصرات في عرض الاعتدال.
فعلى هذه الصفات وأمثالها يكون غلط البصر في القياس من أجل خروج أبعاد المبصرات عن عرض الاعتدال.

.غلط البصر من أجل خروج وضع المبصر عن عرض الاعتدال:

فأما كيف يكون غلط البصر في القياس من أجل خروج وضع المبصر عن عرض الاعتدال، إذا عرض الغلط في مقدار البعد، فكالشخصين القائمين على وجه الأرض إذا كانا على سمت واحد بالقياس إلى البصر، وكان أحدهما يستر بعض الآخر، وكان البصر يدركهما جميعاً، وكان البصر مع ذلك لا يدرك سطح الأرض المتوسط منهما لاستتار المسافة التي بينهما بالشخص المتقدم منهما، فإن البصر يدرك الشخصين اللذين بهذه الصفة كأنهما متماسان أو متقاربان، ولا يحس بالبعد بينهما، إذا لم يكن قد تقدم علم الناظر بذينك الشخصين، ولم يكن رأى البعد الذي بينهما قبل ذلك الوقت، وإن كان أبعدهما من الأبعاد المعتدلة إذا لم يكن شديد القرب من البصر.
وإذا أدرك البصر الشخصين المتباعدين متماسين أو متقاربين فهو غالط فيما يدركه من بعد أحدهما. وهذا الغلط هو غلط في القياس لأن البعد يدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج وضع البعد الذي بين ذينك الشخصين عن عرض الاعتدال بامتداده على استقامة سمت خطوط الشعاع الذي يمتد إلى الشخصين، لأن الشخصين اللذين بهذه الصفة إذا كان البعد الذي بينهما معترضاً وقاطعاً لخطوط الشعاع فإن البصر يدرك البعد الذي بينهما ويدرك مقدار بعد كل واحد منهما إذا كانت المعاني الباقية التي في ذينك الشخصين في عرض الاعتدال.
الوضع وقد يعرض الغلط في وضع المبصر أيضاً من أجل خروج وضعه عن عرض الاعتدال. وذلك أن المبصر إذا كان صغير الحجم، وكان خارجاً عن سهم الشعاع وبعيداً عن السهم، وكان البصر مع ذلك محدقاً إلى مبصر آخر وسهم الشعاع على المبصر الذي يحدق إليه، وكان سطح المبصر البعيد عن السهم مائلاً عن سمت المواجهة ميلاً يسيراً، أعني أن يكون سطح المبصر مائلاً عن الخط المتوهم الذي يخرج من ذلك السطح إلى السهم المشترك ويكون عموداً عليه، ويكون ميله عن وضع هذا الخط ميلاً ليس بالمتفاوت، فإن البصر ليس يدرك ميل المبصر الذي بهذه الصفة إذا كان بعيداً عن السهم وكان مع ذلك صغير الحجم، ولا يفرق البصر بين وضع المبصر المائل عن سمت المواجهة وبين المبصر الذي على سمت المواجهة إذا كان المبصر خارجاً عن سهم الشعاع وبعيداً عنه وكان صغير الحجم، وذلك لأن المبصر البعيد عن سهم الشعاع ليس يدرك البصر صورته إدراكاً محققاً ولا يتمكن من تأمله وتمييز وضع سطوحه، وليس الخط المعترض الذي يحد سمت المواجهة موجوداً عند الإبصار المألوف فيقيس البصر وضع سطح المبصر في الحال إليه. وإذا لم يتحقق البصر صورة المبصر ولم يجد أمارة ظاهرة يقيس بها وضع سطح المبصر في الحال، ولم يكن ميل المبصر في الحال عن سمت المواجهة ميلاً متفاوتاً، فإنه يدرك ذلك المبصر على سمت المواجهة ولا يفرق بين وضعه وبين وضع المبصرات التي يدركها على سمت المواجهة، لأن الميل اليسير في أوضاع المبصرات ليس يدركه البصر إلا مع تحقق صورة المبصر وبالتأمل المستقصى، وإذا كان البصر محدقاً إلى مبصر آخر ومتأملاً له فليس يدرك المبصر الخارج عن سهم الشعاع إدراكاً محققاً ولا يتمكن من تحققه.
الشكل وإذا أدرك البصر المبصر المائل عن سمت المواجهة على سمت المواجهة ولم يفرق بينه وبين المواجهة فهو غالط في وضعه. وهذا الغلط هو غلط في القياس لأن الوضع يدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج وضع المبصر عن عرض الاعتدال، لأن المبصر إذا كان مقابلاً لوسط البصر وكان على سهم الشعاع أو قريباً منه فإن البصر يدرك وضعه على ما هو عليه إذا كانت المعاني الباقية التي في ذلك المبصر في عرض الاعتدال.
وقد يعرض الغلط في شكل المبصر أيضاً من أجل خروج وضع المبصر عن عرض الاعتدال. وذلك أن المبصر المستدير الشكل، كالطاس أو الكأس أو القصاع وما أشبه ذلك، إذا كان سطح استدارته مائلاً خطوط الشعاع ميلاً متفاوتاً، وكان أكثر جسم ذلك المبصر مستتراً لا يدركه البصر، وكان ذلك المبصر خارجاً عن سهم الشعاع، وكان سهم الشعاع على مبصر آخر والناظر محدق إلى ذلك المبصر الآخر، ولم يكن قد تقدم علم الناظر بمائية ذلك المبصر ولا أدرك البصر استدارة ذلك الشكل قبل ذلك الوقت، فإن البصر في حال ملاحظته للشكل المستدير المقعر الذي بهذه الصفة يدركه مستطيلاً إذا كان سطح استدارته مائلاً على خطوط الشعاع ميلاً متفاوتاً ولم يكن في غاية القرب من البصر وكان خارجاً عن سم الشعاع. وإذا لم يكن قد تقدم علم الناظر باستدارته فإنه لا يشك في استطالته.
وكذلك المبصر المربع الأحرف كالحياض والصناديق المربعة وما أشبهها فإن سطوح أفواهها المربعة إذا كانت خارجة عن مقابلة وسط البصر، فإن البصر يدركها مستطيلة، وإن كان بعدها من الأبعاد المعتدلة، إذا لم تكن قريبة من البصر.
وقد تقدم القول في علة ذلك، وهي أن المبصر المائل المسرف الميل إذا لم يكن قريباً من البصر فليس يتحقق البصر مقدار ميله وإن كان بعده من الأبعاد المعتدلة التي يصح أن يدرك منها حقيقته إذا كان على غير ذلك الموضع، وأن المبصر الخارج عن سهم الشعاع ليس يتحقق البصر صورته. وإذا لم يتحقق البصر مقدار ميل المبصر فليس يدرك عرضه المائل على ما هو عليه، بل يدرك مقدار عرضه المائل أصغر من مقداره الحقيقي. وإذا أدرك البصر عرض المبصر أصغر من مقداره الحقيقي، وهو يدرك طوله المواجه على مقداره الحقيقي، فإنه يدرك شكله من أجل اختلاف مقداري طوله وعرضه مستطيلاً إن كان مستديراً وإن كان مربعاً متساوي الأضلاع. فإن كان مربعاً مستطيلاً أدرك استطالته أكبر مما هي عليه إن كان عرضه هو المائل، وإن كان طوله هو المائل أدرك استطالته أقل مما هي عليه أو أدركه متساوي الأضلاع إذا كان التفاضل الذي بين طوله وعرضه يسيراً. وإذا أدرك البصر شكل المبصر على خلاف ما هو عليه فهو غالط في شكله، ويكون غلطه غلطاً في القياس لأن الشكل يدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج وضع المبصر عن عرض الاعتدال، لأن المبصرات التي بهذه الصفة إذا كان استدارتها وتربيعها مواجهاً للبصر أو قريباً من المواجهة فإن البصر يدرك أشكالها على ما هي عليه إذا كانت المعاني الباقية التي فيها في عرض الاعتدال. وهذا المعنى بعينه هو غلط في العظم أيضاً مع الغلط في الشكل، لن المبصر المستدير والمربع اللذين يدركهما البصر مستطيلين على الصفة التي وصفناها إنما يدركهما البصر مستطيلين من أجل أنه يدرك مقدار عرض كل واحد منهما أصغر من مقداره الحقيقي فهو غالط في عظمه.
وقد يعرض الغلط في العظم من أجل خروج وضع المبصر عن عرض الاعتدال على وجه آخر أيضاً. وذلك أن البصر إذا أدرك أشخاصاً قائمة على وجه الأرض، وكانت تلك الأشخاص متساوية ومتتالية وعلى سمت واحد، وكان البصر على سمتها وكان أرفع منها في السمك، فإن البصر إذا أدرك تلك الأشخاص، ولم يكن أدركها من قبل ذلك الوقت ولا يحقق مقاديرها، ولم يكن تقدم علم الناظر بتساويها، فإن البصر يدركها في الحال مختلفة المقادير، ويدرك كل واحد منها أعظم من الذي قبله، ويدرك أبعدها أعظمها. لأن البصر إذا كان أرفع من الأشخاص القائمة وكانت الأشخاص على سمت واحد، وكان البصر على سمتها، وكانت الأشخاص متساوية، فإن كل واحد منها يستر بعض الشخص الذي وراءه، ويكون خط الشعاع الذي يمتد إلى طرف الشخص الثاني أرفع من خط الشعاع الذي يمتد إلى طرف الشخص الأول. وكذلك خط الشعاع الذي يمتد إلى طرف الشخص الثالث يكون أرفع من خط الشعاع الذي يمتد إلى طرف الشخص الثاني. وقد تبين فيما تقدم أن البصر يدرك سموت خطوط الشعاع، فإذا أدرك البصر الأشخاص التي بهذه الصفة فإنه يظن بالمتأخر منها أنه أرفع من المتقدم. والمألوف من الأشخاص القائمة على وجه الأرض إذا كانت مختلفة أن الأعظم منها يكون ارفع من الأصغر. فإذا أدرك البصر الأشخاص القائمة على وجه الأرض على الموضع الذي وصفناه، ووجد بعضها في الحس أرفع من بعض، ولم يتقدم علمه بتساويها فإنه يظن بالأرفع منها أنه أعظم، وإن كانت أبعادها من الأبعاد المعتدلة.
وإذا أدرك البصر المبصرات المتساوية المقادير مختلفة المقادير فهو غالط في أعظامها، والغلط في العظم هو غلط في القياس. والسبب الذي من اجله عرض الغلط في هذا القياس هو اختلاف أوضاع خطوط الشعاع الخارجة إلى الأشخاص التي بهذه الصفة واستمال القوة المميزة في الحال أن ما هو أرفع فهو أعظم، وهذه المقدمة إذا أخذت كلية كانت كاذبة. والعلة التي من أجلها عرض هذا السبب هو خروج وضع الأشخاص التي بهذه الصفة عن عرض الاعتدال الذي منه يدرك تساويها بحاسة البصر.
والوضع المعتدل الذي منه يدرك البصر تساوي الأشخاص القائمة على وجه الأرض واختلافها إذا كانت على سمت واحد وكان البصر على سمتها، هو أن يكون البصر على الخط المستقيم الذي يخرج من طرف الشخص الأول موازياً لسطح الأرض التي الأشخاص قائمة عليه. وإذا كان مسطحاً فإن البصر، إذا كان على الخط الموازي لسطح الأرض الذي يمر بطرف الشخص الأول، فإنه يدرك الأشخاص الباقية التي وراءه مساوية له إذا كانت متساوية، ويكون إدراكه لتساويها إدراكاً صحيحاً، وإذا كانت مختلفة أدرك زيادة أحدها على الآخر وأدرك اختلاف مقاديرها، ويكون اختلاف مقاديرها، ويكون إدراكه لاختلاف مقاديرها إدراكاً صحيحاً. وذلك أن البصر إذا كان على الخط الموازي لسطح الأرض الذي يمر بطرف الشخص الأول، كان ذلك الخط خط الشعاع الذي يخرج من البصر إلى طرف الشخص الأول، ويكون هو بعينه يمد إلى أطراف الأشخاص الباقية التي وراءه إذا كانت متساوية. وإذا امتد الخط الواحد من خطوط الشعاع إلى أطراف جميع الأشخاص المتتالية القائمة على وجه الأرض على سمت واحد أدرك البصر تلك الأشخاص متساوية الارتفاع، وإذا أدركها متساوية الارتفاع أدركها متساوية المقادير، ويكون إدراكها لتساويها إدراكاً صحيحاً. وإذا كانت تلك الأشخاص مختلفة المقادير كانت خطوط الشعاع التي تخرج إلى أطرافها مختلفة الوضع، وكان بعضها أرفع من بعض، وكان الشخص الأول يستر من كل واحد منها مقداراً مساوياً له. وإذا كانت خطوط الشعاع التي تخرج إلى أطراف تلك الأشخاص مختلفة الوضع أدرك البصر تلك الأشخاص مختلفة الارتفاع وأدرك مقاديرها مختلفة. وإذا كان الشخص الأول يستر بعض كل واحد من تلك الأشخاص التي وراءه أدرك البصر زيادة كل واحد من تلك الأشخاص على الشخص الأول بحسب ما يظهر من زيادة مقداره على مقدار الشخص الأول، ويكون إدراكه لاختلاف مقادير الأشخاص التي بهذه الصفة ولمقادير اختلافها إدراكاً صحيحاً.
فغلط البصر في اختلاف مقادير الأشخاص المتساوية المتتالية القائمة على وجه الأرض، إذا كانت على سمت واحد وكان البصر أرفع منها، هو خروج وضعها عن عرض الاعتدال، لأن الاعتدال لوضع الأشخاص التي بهذه الصفة بالقياس إلى البصر الناظر إليها، الذي منه يدرك تساويها من قياس بعضها ببعض إدراكاً صحيحاً، هو أن يكون البصر على الخط المستقيم الموازي لسطح الأرض الذي يمر بطرف الشخص الأول.
العظم وقد يعرض الغلط في التفرق أيضاً من أجل خروج وضع المبصر عن عرض الاعتدال. وذلك أن البصر إذا كان ينظر إلى ألواح أو أخشاب أو أبواب، وكانت سطوح تلك الألواح أو الأخشاب أو الأبواب نائلة على خطوط الشعاع ميلاً متفاوتاً، وكان في تلك الألواح أو في تلك الأخشاب أو في تلك الأبواب خطوط سود أو مظلمة اللون، فإن البصر ربما ظن بتلك الخطوط أنها شقوق في تلك الأجسام، إذا لم يكن قد تقدم على الناظر بأنها خطوط، وإن كان بعدها عن البصر من الأبعاد المعتدلة التي يدرك البصر منها حقيقتها إذا كانت على غير ذلك الوضع، إذا لم تكن شديدة القرب من البصر. وذلك لأن سطح المبصر إذا كان مائلاً على خطوط الشعاع ميلاً متفاوتاً فإن التخاطيط والمعاني التي تكون في ذلك السطح ليس تكون بينة للبصر بياناً صحيحاً، وإذا كانت سطوح الألواح والأخشاب والأبواب ما جرى مجراها مائلة على خطوط الشعاع ميلاً متفاوتاً فليس يكون إدراك البصر للمعاني التي في سطوحها والتخاطيط التي فيها إدراكاً صحيحاً. وإذا لم يدرك البصر المعاني التي في سطوح تلك الأجسام إدراكاً محققاً فليس يفرق بين الخطوط التي تكون فيها وبين الشقوق والتفرق، إذا كانت تلك الخطوط سوداً أو مظلمة الألوان ولم يكن قد تقدم علم الناظر بتلك الخطوط.
وعلة هذا الغلط هو خروج وضع تلك المبصرات عن عرض الاعتدال، لأن تلك الأجسام إذا كانت سطوحها مواجهة للبصر أو قريبة من المواجهة فإن البصر يدرك المعاني التي فيها من ذلك البعد بعينه، إذا كان من الأبعاد المعتدلة وكانت المعاني الباقية التي في تلك الأجسام في عرض الاعتدال، إدراكاً محققاً، ويدرك المعاني الباقية التي في تلك الأجسام في عرض الاعتدال، إدراكاً محققاً، ويدرك المعاني التي فيها ويدرك الخطوط التي فيها خطوطاً ولا يعرض له الغلط في شيء منها.
الاتصال وقد يعرض الغلط في الاتصال أيضاً من أجل خروج وضع المبصر عن عرض الاعتدال. وذلك أن الحيطان والجدران إذا أدركها البصر وكانت سطوحها القائمة على وجه الأرض على خط واحد، وكانت هذه السطوح ممتدة على استقامة خطوط الشعاع، وكان في تضاعيف الجدران التي بهذه الصفة تفرق وكان بعضها منقطعاً عن بعض، وكان التفرق الذي بينهما ضيقاً، فإن البصر يدرك الجدران التي على هذه الصفة متصلة ولا يحس بالتفرق الذي فيها. لأن عرض التفرق يكون على استقامة خطوط الشعاع، فلا يدركه البصر ولا يدرك البصر الفضاء الذي في موضع التفرق لاستتاره بالجدار الأول الذي يلي البصر الذي سطحه على استقامة خط الشعاع وعلى استقامة عرض التفرق الذي في سطح الجدار. وكذلك إن الجدار الثاني خارجاً عن سمت الجدار الأول في موضع التفرق فإن البصر يحس عند الجدار الثاني بزاوية، ولا يحس بالتفرق الذي بينه وبين الجدار الأول، إذا كان سطح الجدار الأول وعرض التفرق على سمت خط الشعاع.
وإذا أدرك المبصر المبصرات المتفرقة متصلة فهو غالط في اتصالها، ويكون هذا الغلط غلطاً في القياس لأن الاتصال يدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج وضع المبصر عن عرض الاعتدال، لأن الجدران التي بهذه الصفة إذا كانت مواجهة للبصر وكان التفرق الذي في تضاعيفها مواجهاً للبصر أو قريباً من المواجهة فإن البصر يدرك التفرق الذي فيها على ما هو عليه، إذا كانت المعاني الباقية التي فيها في عرض الاعتدال.